فصل: الهجرة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.الهجرة:

ولما علمت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صار له شيعة وأنصار من غيرهم وأنه مجمع على اللحاق بهم وأن أصحابه من المهاجرين سبقوه إليهم تشاوروا ما يصنعون في أمره واجتمعت لذلك مشيختهم في دار الندوة: عتبة وشيبة وأبو سفيان من بني أمية وطعيمة بن عدي وجبير بن مطعم والحارث بن عامر من بني نوفل والنضر بن الحارث من بني عبد الدار وأبو جهل من بني مخزوم ونبيه ومنبه ابنا الحجاج من بني سهم وأمية بن خلف من بني جمح ومعهم من لا يعد من قريش فتشاوروا في حبسه أو إخراجه عنهم ثم اتفقوا على أن يتخيروا من كل قبيلة منهم فتى شابا جلدا فيقتلونه جميعا فيتفرق دمه في القبائل ولا يقدر بنو عبد مناف على حرب جميعهم واستعدوا لذلك من ليلتهم وجاء الوحي بذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلما رأى أرصدهم على باب منزله أمر علي بن أبي طالب أن ينام على فراشه ويتوشح ببرده ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم فطمس الله تعالى على أبصارهم ووضع على رؤوسهم ترابا وأقاموا طول ليلتهم فلما أصبحوا خرج إليهم علي فعلموا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نجا وتواعد رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر الصديق واستأجر عبد الله بن أريقط الدولي من بني بكر بن عبد مناف ليدل بهما إلى المدينة وينكب عن الطريق العظمى وكان كافرا وحليفا للعاص بن وائل لكنهما وثقا بأمره وكان دليلا بالطرق.
وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من خوخة في ظهر دار أبي بكر ليلا وأتيا الغار الذي في جبل ثور بأسفل مكة فدخلا فيه وكان عبد الله بن أبي بكر يأتيهما بالأخبار وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر وراعي غنمه يريح غنمه عليهما ليلا ليأخذ حاجتهما من لبنها وأسماء بنت أبي بكر تأتيهما بالطعام وتقفى عامرا بالغنم أثر عبد الله ولما فقدته قريش اتبعوه ومعهم القائف فقاف الأثر حتى وقف عند الغار وقال هنا انقطع الأثر! وإذا بنسج العنكبوت على فم الغار فاطمأنوا إلى ذلك ورجعوا وجعلوا مائة ناقة لمن ردهما عليهم.
ثم أتاهما عبد الله بن أريقط بعد ثلاث براحلتهما فركبا وأردف أبو بكر عامر بن فهيرة وأتتهما أسماء بسفرة لهما وشقت نطاقها وربطت السفرة فسميت ذات النطاقين وحمل أبو بكر جميع ماله نحو ستة آلاف درهم ومروا بسراقة بن مالك بن جعشم فاتبعهم ليردهم ولما رأوه دعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فساخت قوائم فرسه في الأرض فنادى في الأمان وأن يقفوا له وطلب من النبي أن يكتب له كتابا فكتبه أبو بكر بأمره وسلك الدليل من أسفل مكة على الساحل أسفل من عسفان وأمج وأجاز قديدا إلى العرج ثم إلى قبا من عوالي المدينة ووردوها قريبا من الزوال يوم الاثنين لاثنتي عشرة خلت من ربيع الأول وخرج الأنصار يتلقونه وقد كانوا ينتظرونه حتى إذا قلصت الظلال رجعوا إلى بيوتهم فتلقوه مع أبي بكر في ظل نخلة ونزل عليه السلام بقبا على سعد بن خيثمة وقيل على كلثوم بن الهدم ونزل أبو بكر بالسخ في بني الحرث بن خزرج على خبيب بن أسد وقيل على خارجة بن زيد ولحق بهم علي رضي الله عنه من مكة بعد أن رد الودائع للناس التي كانت عند النبي صلى الله عليه وسلم فنزل معه بقبا.
وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم هنالك أياما ثم نهض لما أمر الله وأدركته الجمعة في بني سالم بن عوف فصلاها في المسجد هنالك ورغب إليه رجال بني سالم أن يقيم عندهم وتبادروا إلى خطام ناقته اغتناما لبركته فقال عليه السلام: خلوا سبيلها فإنها مأمورة ثم مشى والأنصار حواليه إلى أن مر بدار بني بياضة فتبادر إليه رجالهم يبتدرون خطام الناقة وفقال: دعوها فإنها مأمورة ثم مر بدار بني ساعدة فتلقاه رجال وفيهم سعد بن عبادة والمنذر بن عمر وودعوه كذلك وقال لهم مثل ما قال للآخرين ثم إلى دار بني حارثة بن الخزرج فتلقاه سعد بن الربيع وخارجة بن زيد وعبد الله بن رواحة ثم مر ببني عدي بن النجار أخوال عبد المطلب ففعلوا وقال لهم مثل ذلك إلى أن أتى دار بني مالك بن النجار فبركت ناقته على باب مسجده اليوم وهو يومئذ لغلامين منهم في حجر معاذ بن عفراء اسمهما سهل وسهيل وفيه خرب ونخل وقبور للمشركين ومربد ثم بركت الناقة وبقي على ظهرها ولم ينزل فقامت ومشت غير بعيد ولم يثنها ثم التفتت خلفها ورجعت إلى مكانها الأول فبركت واستقرت ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها وحمل أبو أيوب رحله إلى داره فنزل عليه وسأل عن المربد وأراد أن يتخذه مسجدا فاشتراه من بني النجار بعد أن وهبوه إياه فأبى من قبوله ثم أمر بالقبور فنبشت وبالنخل فقطعت وبنى المسجد باللبن وجعل عضادتيه الحجارة وسواريه جذوع النخل وسقفه الجريد وعمل فيه المسلمون حسبة لله عز وجل ثم وداع اليهود وكتب بينه وبينهم كتاب صلح وموادعة شرط فيه لهم وعليهم.
ثم مات أسعد بن زرارة وكان نقيبا لبني النجار فطلبوا إقامة نقيب مكانه فقال أنا نقيبكم ولم يخص بها منهم آخر دون آخر فكانت من مناقبهم ثم لما رجع عبد الله بن أريقط إلى مكة أخبر عبد الله بن أبي بكر بمكانه فخرج ومعه عائشة أخته وأمها أم رومان ومعهم طلحة بن عبيد الله فقدموا المدينة وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة بنت أبي بكر وبنى بها في منزل أبي بكر بالسنح وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا رافع إلى بناته وزوجته سودة بنت زمعة فحملاهن إليه من مكة وبلغ الخبر بموت أبي أحيحة والوليد بن المغيرة والعاص بن وائل من مشيخة قريش ثم آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار فآخى بين جعفر بن أبي طالب وهو بالحبشة ومعاذ بن جبل وبين أبي بكر الصديق وخارجة بن زيد وبين عمر بن الخطاب وعثمان بن مالك من بني سالم وبين أبي عبيدة بن الجراح وسعد بن معاذ وبين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع وبين الزبير بن العوام وسلمة بن سلامة بن وقش وبين طلحة بن عبيد الله وكعب بن مالك وبين عثمان بن عفان وأوس بن ثابت أخي حسان وبين سعيد بن زيد وأبي بن كعب وبين مصعب بن عمير وأبي أيوب وبين أبي حذيفة بن عتبة وعباد بن بشر بن وقش من بني عبد الأشهل وبين عمار بن ياسر وحذيفة بن اليمان العنسي حليف بني عبد الأشهل وقيل بل ثابت بن قيس بن شماس وبين أبي ذر الغفاري والمنذر بن عمرو من بني ساعدة وبين حاطب بن أبي بلتعة حليف بني أسد بن عبد العزى وعويم بن ساعدة من بني عمرو بن عوف وبين سلمان الفارسي وأبي الدرداء وعمير بن بلتعة من بني الحرث بن الخزرج وبين بلال بن حمامة وأبي رويحة الخثعمي.
ثم فرضت الزكاة ويقال وزيد في صلاة الحاضر ركعتين فصارت أربعا بعد أن كانت ركعتين سفرا وحضرا ثم أسلم عبد الله بن سلام وكفر جمهور اليهود وظهر قوم من الأوس والخزرج منافقون يظهرون الإسلام مراعاة لقومهم من الأنصار ويصرون الكفر وكان رؤوسهم من الخزرج عبد الله بن أبي بن سلول والجد بن قيس ومن الأوس الحرث بن سهيل بن الصامت وعباد بن حنيف ومربع بن قيظي وأخوه أوس من أهل مسجد الضرار وكان قوم من اليهود أيضا تعوذوا بالإسلام وهم يبطنون الكفر منهم: سعد بن حنيس وزيد بن اللصيت ورافع بن خزيمة ورفاعة بن زيد ابن التابوت وكنانة بن خبورا.